تريد أحزاب يمين ويمين الوسط في السويد، بدعم من حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني المتشدد، زيادة أعداد المهاجرين المغادرين نهائياً عبر إقرار قانون يسري بدءاً من مطلع عام 2026 يرفع ما يسمى “بدل تعويض العودة إلى الوطن” من نحو عشرة آلاف كرونة (980 دولاراً) للشخص الواحد حالياً إلى نحو 350 ألفاً (34500 دولار)، ما يعني تبني أرقام الدنمارك في هذا الشأن.
وتتفق أحزاب الائتلاف الحاكم مع “ديمقراطيو السويد” على استثمار نحو 1.4 مليار كرونة لزيادة أرقام الراغبين بالرحيل طوعاً من البلد. لكن خبراء في شؤون الهجرة يعتبرون أن السياسة الجديدة تتماهى مع عنصرية اليمين المتشدد.
ويتخذ حزب “ديمقراطيو السويد”، بزعامة جيمي أوكيسون، مواقف مناهضة للهجرة منذ عام 2013. وترتكز سياسته في الأصل، على غرار تلك للمعسكر الأوروبي القومي المتطرف، على ضرورة ترحيل أو رحيل من هم من أصول غير أوروبية خصوصاً. ويعتقد مسؤول الكتلة البرلمانية في الحزب، لودفيغ أسبلنغ، أن انتهاج ما تطبّقه الدنمارك في هذا الموضوع يكفل بجعل آلاف يستفيدون من الحوافز المالية للمغادرة.
يعتبر مبلغ 350 ألف كرونة مبلغاً ضخماً مقارنة بالحوافز المالية الحالية المحددة
وتأمل الحكومة الائتلافية، بزعامة أولف كريسترسون، أن يؤدي رفع مبالغ التعويض إلى زيادة عودة المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية إذا شعروا بأن الحياة في السويد لا تلبّي توقعاتهم.
ويعتبر مبلغ 350 ألف كرونة مبلغاً ضخماً مقارنة بالحوافز المالية الحالية المحددة بعشرة آلاف كرونة لكل فرد مع زيادة تكاليف السفر. وفيما سافر شخص واحد فقط طوعاً العام الماضي بعدما حصل على مبلغ عشرة آلاف كرونة، توقّع تقرير حكومي زيادة عدد المغادرين المستفيدين من التعويض الجديد إلى نحو 700 مهاجر سنوياً، بدءاً من مطلع عام 2026.
وتبدو حكومة يمين الوسط التي يقودها حزب “المعتدلين” الليبرالي ويشكل “ديمقراطيو السويد” صمام أمان لها في البرلمانية، مؤيّدة لتطبيق سياسات هجرة تشكّل تحولاً جذرياً في السياسات التي سادت في العقود الماضية.
ورغم تحذير البعض من أن سياسة التعويض المالي ستضرّ بسياسة الدمج، “إذ يمكن أن يشير تبني تشجيع الرحيل إلى أن المهاجرين غير مرحب فيهم”، تبدو الحكومة مصممة على تطبيق القانون.
ولم تمنع تحذيرات رافقت السجال الدائر حول القانون الذي لا يُعرف متى سيُعرض على البرلمان في استوكهولم، وأيضاً رفض أحزاب يسارية الاقتراحات، اتفاق حزب المعتدلين والحزب الديمقراطي المسيحي والليبراليين وديمقراطيي السويد على السياسة الجديدة.
وتبنت هذه الأحزاب خفض الميزانية المالية المخصصة للدمج في السنتين المقبلتين مقابل زيادة الأموال المخصصة لتشجيع الرحيل الدائم من السويد إلى البلد الأصلي، وأيضاً تسريع ترحيل آلاف الأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم، وتضييق فرص قدوم لاجئين إلى البلد من خلال تشديد شروط الحصول على اللجوء عبر تكثيف الملاحقة فردية للإثباتات والوثائق، وعدم حصر معيار قبول الطلب بالمجيء من منطقة حرب ونزاعات مسلحة، كما حصل مثلاً مع اللاجئين من سورية.
ويقول منسق اتحاد مؤسسات الهجرة السويدي، إميل صرصور، الذي يحمل الجنسية السويدية منذ عقود، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إن “سياسة اليمين تأتي على خلفية جبي الأثمان التي يمارسها حزب ديمقراطيو السويد المتطرف بعدما أصبح يلعب بيضة القبان، ويمهد لحكم تحالف يمين الوسط”.
وعن القانون الجديد للرحيل الطوعي يشير صرصور إلى أن “تقديم القانون للبرلمان لن يواجه مشكلة كبيرة، إذ تملك الأحزاب التي اتفقت عليه غالبية مريحة لتمرير ما تريده، رغم معارضة يسار ويسار الوسط”.
في السياق يبدو أن التحوّل في سياسات الهجرة لا يشمل فقط اجتذاب الراغبين بالمغادرة مادياً، بل أيضاً تقييد أعداد اللاجئين القادمين إلى السويد، حتى أولئك ضمن “كوتا” الأمم المتحدة الذين خفضت أعدادهم من أربعة آلاف إلى أقل من 700 سنوياً.
ويعتبر صرصور أن تخصيص مبلغ 350 ألف كرونة للفرد الراغب في الرحيل “سياسة عنصرية للتخلص من المهاجرين بالمال”.
ومن خلال تتبع تفاصيل الرحيل الطوعي مقابل أموال من السويد، يشمل ذلك المواطنين من أصول مهاجرة وأولئك الذين يملكون إقامات. ويعني ذلك أن السويد “تبيع أو تتخلى عن مواطنيها”، كما يرى صرصور الذي يشرح أن “السويدي – العربي، بغض النظر عن جنسيته الأصلية، سيتنازل عن الجنسية تماماً، على غرار أسرته، من أجل حصول على مبلغ 350 ألف كرونة عن كل فرد. وينسحب ذلك على المقيمين الدائمين. وبعد التنازل عن الجنسية والإقامة سيكون من المستحيل العودة إلى السويد مهما كانت الظروف”.
ويشير صرصور، استناداً إلى معرفته الواسعة ببيئات الأصول المهاجرة، إلى أن طموح الأحزاب برحيل مئات المهاجرين سنوياً لن يتحقق. ويشرح: “لنفترض أن أسرة حصلت حتى على مليون كرونة، وغادرت إلى البلد الأصلي أو إلى تركيا، فستخسر كل الامتيازات التي تعيشها في ظل دولة الرعاية الطبية والتأمين على الشيخوخة والتقاعد والرفاهية وغيرها الكثير، كما أن المال الذي ستحصل عليه الأسرة سينفد في مجتمعات لا أفق فيها للعمل، أو تحصيل الأبناء للتعليم العالي والاعتياد على الحياة الجديدة، وستجبر بالتالي على البدء من الصفر بعد عقود من الهجرة. وعموماً ستجبر الأسر على إجراء حسابات أبعد من أموال تعويض الرحيل الدائم، وتتعلق بالأبناء الذين وُلدوا وكبروا في السويد، وتوقعات مستقبلهم في دول تعاني من الحروب والنزاعات المسلحة وغياب العدالة الاجتماعية”.
ويستثني صرصور ذوي الأصول الفلسطينية واللبنانية لأسباب تتعلق ببلديهما والظروف التي تتحكّم بقبولهم مبالغ التعويض، لكنه يستدرك بأن بعضهم قد لا يكونون مرتاحين وغير مندمجين في العيش بالسويد التي يريدون مغادرتها بسبب خشيتهم على الأبناء فيقبلون بالتالي التعويض المالي ويغادرون، لكن الأرقام ستظل دون طموح الحكومة”.
وفي كل الأحوال، تشكل السياسات الجديدة للهجرة في السويد، ومن بينها رفع مبالغ التشجيع على المغادرة نهائياً، تحوّلاً غير مسبوق يعكس نجاح أكبر حزبين ضاغطين في اعتماد اتجاه أكثر تشدداً، وهما المسيحي الديمقراطي و”ديمقراطيو السويد”، وتأثيرهما في تأمين الغالبية البرلمانية التي لا تستطيع حكومة رئيس الوزراء أولف كريسترسون أن تحكم من دونها. كما يكشف ذلك ضعف المعارضة من خلال الحزب الاجتماعي الديمقراطي وأحزاب اليسار.
وفي النهاية يصرّ “ديمقراطيو السويد” على أن تخصيص مبلغ سنوي بنحو 1.4 مليار كرونة قابل للزيادة، سيؤدي إلى رحيل نحو أربعة آلاف سنوياً، ويسوّق بأن الأموال المخصصة لمشروع الرحيل الطوعي “إنفاق عام أقل بكثير مما يصرف سنوياً على الهجرة”، كما يقول زعيم كتلته البرلمانية لودفيغ أسبلنغ الذي يعتقد أيضاً أن “السويد باتت تحتاج إلى التوقف عن إثقال كاهل الرعاية الاجتماعية بأشخاص لا يستطيعون إعالة أنفسهم لكنهم يعيشون في السويد عاماً بعد عام”. ويقصد بذلك آلافاً ممن يعيشون شهرياً على ما تقدمه البلديات من إعانات مالية لمن هم عاطلون من العمل.
المصدر: العربي